ملخص المقال
كان أبو يوسف القاضي فقيهًا ومن حفاظ الحديث، وكان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب، وهو وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة.
أبو يوسف القاضي هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف: صاحب الإمام أبي حنيفة، وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيهًا علاَّمة، من حفَّاظ الحديث، ولد ب الكوفة سنة 113هـ= 731م، وهو من ولد سعد بن حَبْتَة الأنصاري[1] الذي كان من أصحاب رسول الله ﷺ.
كان والد أبو يوسف فقيرًا ولم يستطع أن ينفق عليه في طلبه للعلم، فكان أبو حنيفة يتعاهد أبا يوسف بالمائة دِرهم بعد المائة من أجل يُعينه على طلب العلم، قال أبو يوسف: كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مُقِلّ، فجاء أبي يومًا وأنا عند أبي حنيفة، فقال: لا تَمُدَّنّ يا بُنيّ رِجْلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاجٌ إلى المعاش، فآثرت طاعة أبي، فتفقدني أبو حنيفة، فجعلت أتعاهده، فدفع إليَّ مائة درهم وقال لي: الْزَم الحَلْقة، فإذا نفدت هذه فأَعْلِمْني، ثمّ أعطاني بعد أيام مائة أخرى، ثم كان يتعاهدني.
تفقه الإمام أبو يوسف بالحديث والرواية، ثم لزم أبا حنيفة، فغلب عليه الرأي، وقد تولي أبو يوسف القضاء في بغداد فترة طويلة حتى أنَّه كان قاضي الخلفاء العباسيين الثلاثة: المهدي والهادي والرشيد، وهو وأول من دُعي: قاضي القضاة، وكان يقال له: قاضي قضاة الدنيا، وذلك لأنَّه كان قاضي المشرق والمغرب معًا.
قال عبّاس الدُّوريّ: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: أول ما كتبتُ الحديث اختلفت إلى أبي يوسف فكتبت عنه، وهو حسنة من حسنات أبي حنيفة، ليس فقط للفقه الموروث عنه، ولكن لكونه هو السبب في استمراره في مسيرة العلم، وعندما مرض أبو يوسف وزاره أبو حنيفة، قال عنه: إنْ يَمُتْ هذا الفتى فهو أعلمُ مَن عليها، وأومأ إلى الأرض.
كان الإمام أبو يوسف حريص كل الحرص على أهمية تبليغ العلم ونشره بين الناس، مقتضيًا في ذلك بقول النَّبِيَّ ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً..»[2]، ومن مواقفه الشهيرة في حرصه على نشر العلم ما رواه القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي بقوله: مرض أبو يوسف وعمره 69 سنة فأتيته أعوده، فوجدته مُغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم، ما تقول في مسألةٍ؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك، ندرس لعله ينجو بها ناج! ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار - أي في مناسك الحج - أن يرميها ماشيًا أو راكبًا؟ قلت: راكبًا، قال: أخطأت، قلت: ماشيًا، قال أخطأت، قلت: قل فيها، يرضى الله عنك!! قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيًا، وأما ما كان لا يوقف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبًا، قال: ثم قمت من عنده، فما بلغت باب الدار حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله[3].
توفي الإمام أبو يوسف رحمه الله في سنة 182هـ= 798م، وكان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب، وهو وأول من وضع الكتب في أصول الفقه، على مذهب أبي حنيفة، ومن كتبه: الخراج، والآثار وهو مسند أبي حنيفة، والنوادر، واختلاف الأمصار، وأدب القاضي، والأمالي في الفقه، والفرائض، والوصايا، والبيوع، والصيد والذبائح، وغير ذلك[4].
[1] حبتة هي أمه، وهو من حلفاء الأنصار
[2] البخاري: كتاب الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، (3274).
[3] ابن معظم شاه الكشميري: العرف الشذي، تحقيق: محمود أحمد شاكر، الطبعة الأولى، 2/358.
[4] وكيع القاضي: أخبار القضاة، تحقيق: عبد العزيز مصطفى المراغي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى، 1366هـ= 1947م، 3/ 254- 264، وابن عبد البر: الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، دار الكتب العلمية، بيروت، ص172، 173، والخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ= 2002م، 16/ 359- 372، وابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900، 6/ 378- 390.
التعليقات
إرسال تعليقك